يثير مشروع قناة إسطنبول الجديدة الجدل على الصعيد الخارجي والداخلي، فبينما تصفه الحكومة بـ "مشروع العصر" والعمل الأضخم الَّذي سيتم إنجازه في تاريخ الجمهورية التركية، لم تتوقف المعارضة التركية عن انتقاده، بالإضافة إلى اعتراضات ومواقف سلبية من بعض الدول الإقليمية والعالمية.
الآثار السياسية الداخلية لإنشاء مشروع قناة إسطنبول الجديدة:
يهدف المشروع إلى إنشاء ممر مائي غرب مطار إسطنبول الجديد، يكون موازي لمضيق البوسفور ويربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، ليقسم الجزء الأوروبي من المدينة إلى قسمين جاعلاً من الجزء الشرقي من القسم الأوروبي جزيرةً استراتيجية تربط بين قارتي آسيا وأوروبا.
من المخطط أن تبنى القناة بطول 45 كيلومتر، وبعرض 150 متر، وعمق يتراوح بين 20-25 متر، وستتمكن من خلق فرص استثمار جوهرية تعم بالفائدة على تركيا واقتصادها بشكل خاص وعلى الدول المحيطة بشكل عام.
ومن المخطط كذلك إنشاء 6 جسور تربط بين ضفتي القناة بشكل مباشر، كما سيتم إنشاء وحدات سكنية جديدة في المناطق المحيطة للقناة للحد من مشكلة الكثافة السكانية المتزايدة، بالإضافة لإنشاء موانئ ومناطق لوجستية ستحول إسطنبول لمركزة تجارة دولي ضخم.
لكن، ترى المعارضة المشروع من زاوية أخرى، إذ ينظر حزب الشعب الجمهوري CHP أكبر الأحزاب السياسية التركية المعارضة إلى المشروع ككارثة بيئية واقتصادية بحتة، نظراً لما سيتسبب به من تداعيت بيئية سلبية تضر بالمدينة وتجعلها أكثر عرضة لخطر الزلازل.
ووصف عضو الحزب ورئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو مشروع قناة إسطنبول بمشروع يحكم بالعطش الكارثي لمدينة إسطنبول، قائلًا: "نحن نخسر موارد المياه القائمة منذ 8 آلاف و500 عام، وستُخلط بحيرة تاركوس بالمياه المالحة، وهناك احتمال أن تفقد البحيرة للأبد صفة أنها مصدر مياه".
وانتقد رئيس حزب السعادة تمل كرامولا أوغلو هو الاخر المشروع من زاوية استثمارية وإدارية واصفا إياه بالاستثمار الخاطئ الذي لا يمكن إدارته.
ولم يتوقف الأمر عند الأحزاب السياسية، ففي وقت سابق، طالب أكثر من 100 ضابط متقاعد بالتراجع عن تنفيذ مشروع قناة إسطنبول الذي طرحته الحكومة، متحججين بالمخاطر الأمنية التي ستجلبها القناة الجديدة وتأثيراتها على اتفاقية مونترو.
وبالنظر لعمق الوضع السياسي الداخلي لتركيا، نجد أن هذه الانتقادات جزء من المعركة السياسية التي تسبق الانتخابات الرئاسية التركية.
فوفقاً لعدة دراسات حكومية قامت بها أفضل 7 جامعات تركية، ستقلل القناة الجديدة نسبة التلوث الناجمة عن مرور عدد كبير من السفن من قلب إسطنبول.
وعلى عكس الانتقادات الموجهة، ستكون قناة إسطنبول مقاومة للزلازل التي تهدد المدينة، كما ستضمن العديد من مشاريع التحول العمراني الذكي، مما يجعل الحديث عن أضرارها البيئية مجرد دعاية انتخابية.
أما بالنسبة لمخاوف الأمنية، فقد صرح رئيس أركان القوات البحرية التركية السابق، الأميرال جهاد يايجي، بأن قناة إسطنبول لن تؤثر على اتفاقية مونترو، إذ ستخضع السفن التي ستمر عبر القناة لقيود الاتفاقية المتعلقة بالنوع والحمولة وما إلى ذلك، ولكن قد تخضع السفن لتسعيرة خاصة، مؤكداً على كون ذلك حق سيادي لتركيا.
بالإضافة إلى أن القنوات والجزر الاصطناعية تعامل معاملة الإقليم البري في القانون البحري، وهذا يعني أن إنشاء تركيا مشروع قناة إسطنبول في بحر مرمرة -وهو بحر داخلي- لا يمثّل خطرا على اتفاقية مونترو.
الآثار السياسية الخارجية لإنشاء مشروع قناة إسطنبول الجديدة:
من دون شك سيعزز مشروع قناة إسطنبول من قدرة تركيا على المنافسة الاقتصادية والاستقطاب التجاري العالمي، وهو ما لم ينل استحسان بعض القوى العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية وأوربا اللتين أبديتا اعتراضاً شديداً على إنشاء المشروع.
سعت الإدارة الامريكية إلى عرقلة إتمام إنشاء القناة بخطوات جدية ومباشرة، إذ ترى في نجاح المشروع تنامي لتعاون اقتصادي تركي صيني، مما يهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية.
في نفس السياق، دعا بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى التوقيع مذكرة طالبوا فيها الإدارة الأمريكية بالعمل على منع تزايد حجم التعاون بين الصين وعدد من الدول بالشكل الذي يصب في مصلحة مشروع طريق الحرير الجديد، والذي سيساهم في تعزيز أهمية القناة الجديدة.
سيمر مشروع خط الحرير الصيني بمدينة قارص شرق تركيا حتى مدينة أدرنه على الحدود مع بلغاريا، وهي المرحلة التي سيتقاطع عملياً مع قناة إسطنبول الجديدة، ما سيحول تلك المنطقة إلى مركز تلاقي خطوط التجارة البرية والبحرية بين الشرق والغرب، الأمر الذي يسبب قلقاً بالغاً لواشنطن التي ترى في ذلك تهديداً اقتصادياً متزايداً لها، لاسيما بعد تصريحات وزير المالية التركي التي أوضح فيها أن إسطنبول ستتحول إلى مركز مالي عالمي يقدم خدمات للمستثمرين بأسعار تنافسية لمراكز فرانكفورت ولندن وسنغافورة ونيويورك، كما أنه يتفوق على تلك المراكز العالمية بميزة توسطه لقارات العالم القديم.
بحسب الخطط والدراسات الخاصة بمشروع قناة إسطنبول، من المتوقع أن يضمن العائد المادي للمشروع ماما يمكن تركيا من حل مشاكلها الاقتصادية منفردة وبشكل أكثر استقلالية، مما يزعج القوة الغربية بشكل عام لخروج تركيا من ثوب التبعية.