يعد مضيق البوسفور في إسطنبول أحد أهم المعابر المائية في العالم، إذ يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، لكن ومع مرور الزمن وزيادة حركة التجارة العالمية وزيادة الاعتماد على النقل البحري، ظهرت الحاجة الملحة لإنشاء معبر مائي جديد لتخفيف العبء على مضيق البوسفور، ومن هنا ظهرت فكرة إنشاء مشروع قناة إسطنبول الجديدة.
فنتيجة لزيادة أعباء مرور السفن من البسفور، زادت المخاطر الأمنية والبيئية التي يتعرض لها المضيق، إذ بلغ مجمل عددها سنوياً 42 ألف سفينة، بمعدل 115 سفينة يومياً، وهو ما سبب ازدحاماً كبيراً في مياه المضيق.
تضطر السفن البحرية التجارية والتي تحمل بعضها على متنها مواد قابلة للاشتعال أو مواد قابلة للتلف للانتظار ما يقارب الـ 14 - 30 ساعة، وهو ما يكلف مثل هذه السفن الكثير من الخسائر والأعباء الاقتصادية.
لذلك، يرى العديد من الخبراء أن مشروع قناة إسطنبول الجديدة في الشطر الأوروبي من المدينة سيعود بالنفع على تركيا والعالم على صعيد العديد من الأنشطة والفعاليات الاقتصادية العالمية.
تعتزم الحكومة التركية أن يكون المشروع قد انطلق وحقق تقدما بحلول العام 2023 مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، إذ سيبلغ طول القناة بحسب ما أفاد الرئيس التركي أردوغان 45 كلم، وعمقها 21 مترا، وعرضها الأقصى 275 مترا، وفي أضيق قاعدة سيكون العرض على السطح 360 مترا.
وسترفع القناة من كفاءة الأمن المائي والنقل اللوجيستي عموماً، فعلى الصعيد التركي، ستقلل القناة من احتمالية وقوع أي حادث تصادم في المستقبل، كالذي حدث لأحدى الناقلات أثناء عبورها من المضيق بقصر حكيم باشا أفندي التاريخي الذي يقع على إحدى ضفاف البوسفور، والذي أدى للإضرار ببعض الممتلكات التاريخية.
ماذا عن آثار قناة إسطنبول على الصعيد العالمي؟
سيزداد النقل اللوجيستي سلاسة عن سابقه، وهذا ما تتوقعه شركات النقل البحري الكبرى التي أعرب كثير منها عن نيتها اعتماد قناة إسطنبول الجديدة في رحلاتها البحرية، بهدف استغلال الخدمات الجديدة التي ستقدمها القناة كسرعة وأمان الشحن المائي.
كما أنه من المتوقع أن تنخفض تكلفة النقل البحري مقارنة بالتسعيرة العادية، وخصوصاً في السنوات القادمة نظراً لما يواجه الاقتصاد العالمي من أزمة في سلاسل التوريد الناتجة عن تداعيات كورونا والحرب الأوكرانية الروسية.
ويقول البروفسور محمد فاتح ألطان بجامعة إسطنبول إيدن، "إن مشروع قناة إسطنبول لا يحمل أهمية بالنسبة لتركيا فحسب، بل للجغرافيا الإقليمية والدولية، فهي لن تكون مسارًا للمواصلات المحلية، بل مسار للتجارة والطاقة والاقتصاد والمواصلات والتكنولوجيا في المنطقة".
تنفذ الحكومة التركية المشروع، بهدف تحويل إسطنبول لمركز تجارة عالمي مجهز بأحدث التقنيات والخدمات، إذ يتضمن المشروع بناء مدن ذكية في المناطق المحيطة بالقناة الجديدة، بالإضافة إلى حرص الحكومة على دمج شبكة المواصلات والطرق بشكل فعال لخدمة القناة واستثماراتها.
فبحسب الخطط والدراسات، سيتم دمج قطار هلكالي-كابيكولى عالي السرعة، و قطار TCDD ، في منطقة المشروع.
كما سيتم أيضاً، دمج خطوط مترو يني كاپي-صفاكوي-بيلكدوزوز ومحمدبي-اسنيورت، والطريق السريع D-100 ، وطريق TEM السريع وطرق سازليبوسنا مع مشروع القناة.
بهذه البنية التحتية وبالتوازي مع الانتهاء من مشروع الصين الأضخم "طريق الحرير"، ستتحول إسطنبول بالفعل إلى مركز عالمي للتجارة الدولية، حيث سيزداد حجم التعاون بين الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وعدد من الدول في مشروع طريق الحرير.
بجانب ذلك، سيوفر المشروع نوع من الهدوء على منطقة البحر الأسود، حيث رأت أكاديمية الاقتصاد الشعبي التابعة للرئاسة الروسية، قناة إسطنبول، مشروعًا ناجحاً من وجهة نظر اقتصادية وأمنية، حيث سيمكن للسفن المسجلة في دول البحر الأسود فقط عبور مضيق البوسفور دون مقابل، بينما مرور البقية يمنح تركيا إيرادات كبيرة.
آثار قناة إسطنبول على الصعيد الإقليمي!
لن تؤثر قناة إسطنبول الجديدة على قناة السويس كما يدعى البعض، فالقناة الجديدة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، استغلالاً للعدد الكبير من السفن الذي يستخدم فعليا مضيق البوسفور، فيما تربط قناة السويس بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، أي أن كل قناة منهما تخدم طريقا مغايرا لما تخدمه الأخرى، وبالتالي لا مجال للتنافس بينهما. وفي ظل التقارب المصري التركي حالياً ربما سيدعم مشروع القناة دور الدولتين إقليميا في التحكم في مسارات الملاحة البحرية في منطقة الشرق الأوسط.